Malahim Saghira

Páginas: 5 (1138 palabras) Publicado: 30 de junio de 2012
العربي المساري ...طائر يسكن شغاف القلب



عندما رأى محمد العربي المساري النور، كانت تطوان مدينة تتنفس قرونا من الثقافة الاندلسية التي تضفي على أهلها ميزة خاصة، انهارت الأندلس بسقوط إمارة بني الأحمر مطلع عام 1492، لكن عائلات تطوان ظلت تحمل تراث ثمانية قرون من الثقافة والعادات وتتطلع بحنين جارف إلى الضفة الأخرى التي تحمل ماضيها الجميل، من تلك الجبال الأندلسية يأتي برد سييرا نيفادا القارسشتاءا، ومنها يأتي الآخر مستكشفا للشرق القريب أو غازيا له.
ومنذ لحظة الميلاد ارتبطت حياته باسبانيا ارتباط وثيقا، ففي حفل العقيقة لم يحضر المدعوون إلى بيت عائلة المساري، لأن جنرالا يدعى فرانسيسكو فرانكو قام بانقلاب في شبه الجزيرة الايبيرية، وكان الجمهوريون يقصفون وقتها مدينة تطوان والكل منشغل بأخبار العدوان و التحولات العميقة التي تعيشها اسبانيا دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك الطفل الذي ولد في حي العيون سيكونله شأن كبير في التوفيق بين ضفتين تجمعهما الجغرافيا ويفرقهما التاريخ.
تمر السنوات بسرعة ويتفتح ذهن العربي المساري على الآخر/ الاسباني الذي كان هو بائع الحليب الذي يفتح له الباب كل يوم والجيران الاسبان الذين يتحدثون عن كل شيء يقع في الحي بتفاصيله المملة، وهو أيضا الجندي الذي يحمل بندقيته على كتفه و يمشي بانتظام في شوارع المدينة ممثلا لسلطة الاحتلال، كل تلك الصور كانت تنسج شخصيته منذ بداية التكوين،وفي مسيرة الأيام التي خطاها بعزيمة الأنبياء وعزم المحاربين، التقى رفاقا سيعلو شأنهم في دولة ما بعد الاستقلال ومنهم الوزير محمد بن عيسى و الشاعر محمد عبد السلام البقالي والإعلامي محمد البوعناني، كانوا أشبه بقبيلة من الموهوبين اجتمع فيهم ما تفرق عند غيرهم، حاربوا الحياة بمخالب القلق وأنياب الأفكار…
السكينة التي تبعثها ملامح المساري في النفس تخفي نارا موقدة في دواخله، هي شعلة تدفعه بحرقة نادرةصوب عوالم المعرفة، واكتشف وريث حضارة الاندلس في نفسه سريعا موهبة الكتابة التي تجري في عروقه مجرى الدم، ومن بوابة الكتابة ولج إلى عوالم الصحافة، لم يكن يراها مهنة للمتاعب، بل نهرا رقراقا من اللذة يشرب منه دون أن يرتوي. طفق يكتب هنا وهناك ويمرن قلمه على نقش الكلمة الذي نال فيه القدح المعلى.
السبيل إلى فهم هذا الآخر هو تعلم لغته التي تمثل بلا مبالغة جزءا من الهوية العربية -الاندلسية، ولم يكتف المساريبما تعلمه من القشتالية على مقاعد المدارس التطوانية، بل شد الرحال إلى غرناطة، آخر قلاع الإسلام بالأندلس، التي جاءها سنوات بعد استباب الأمر للجنرال فرانكو، كانت وقتها اسبانيا استثناءا وسط أوروبا، فهي لم تدخل الحرب العالمية الثانية، لأن حربها الأهلية أنهكتها، و لم تتخذ من الديموقراطية دينا، لأن الجيش أحكم سيطرته عليها وانشأ محاكم تفتيش جديدة لمطاردة الجمهوريين، فكانت شبه الجزيرة فعلا يتيمة وسط أوروباوكان أهلها أشبه بالأيتام.
لم تكن رياح سييرا نيفادا الباردة إلا لتضرم شغفا دفينا في نفس وريث الثقافة الأندلسية العائد من تطوان إلى غرناطة، كان يكتشف ذاته في كل زقاق يعبره في حي البيازين التاريخي و في كل ركن من اركان قصر الحمراء الذي دأب على زيارته كل يوم أحد، هناك يقيم قداسه الخاص، متدبرا فيما مضى ومتطلعا إلى تشييد جسور هدمها الزمن، فالتاريخ لا يعيش فقط في المباني والقصور، وإنما يحيا في قلوب الناسالمؤمنين به، وما دام هؤلاء يعشقون تفاصيله، فتاريخهم يعيش فيهم … وعشق المساري لم يقتصر على التاريخ، بل سلبته اللغة الاسبانية أيضا قلبه وعقله، فانهمك في قراءة وترجمة ما طالته يده من كتب ومقالات حتى يطلع عليها غير العالمين بلسان أهل قشتالة، ولم يفرغ من ذلك إلى اليوم.

اضطر المساري إلى العودة من غرناطة، لم يسكنها إلا فترة زمنية قصيرة، لكنها سكنت قلبه إلى الأبد، جمع حقائبه صوب الرباط، عاصمة المملكةالشريفة، ليعمل في الاذاعة الوطنية، عندها كان المغرب حديث العهد بالاستقلال وجاء المهدي المنجرة إلى الإذاعة يتأبط أحلاما بشساعة المحيطات، كان يحيط به شباب بذهن متوقد ورغبة جامحة في العمل وبناء وطن ما بعد الاستقلال، فرحلت فرقة منهم إلى الولايات المتحدة وكان المساري ضمن الفرقة التي رحلت إلى القاهرة للتمكن من ناصية العمل الإذاعي.
عندما عاد المساري إلى المغرب كانت بصمته الاسبانية حاضرة في أعماله الإذاعية، وحتى عندماقادته الأقدار لترك عمله في الإذاعة و الاشتغال كصحافي في جريدة "العلم"، الناطقة باسم حزب الاستقلال، فقد حمل معه هموم ترجمة الأعمال الأدبية الاسبانية الكبرى ونقلها إلى لغة الضاد، كان الملحق الثقافي للجريدة، فسحة للمتعة الأدبية التي تحققت لجيل بأكمله آمن بالثقافة واستطاب حلاوة الكلمة، وعبر ترجماته تعرف كثيرون على قصائد غارسيا لوركا وكتابات بورخيس وكارلوس فوينتيس...
Leer documento completo

Regístrate para leer el documento completo.

Conviértase en miembro formal de Buenas Tareas

INSCRÍBETE - ES GRATIS